الحلقة
الأولى
إن السيرة النبوية ـ على
صاحبها الصلاة والسلام ـ هي في الحقيقة
عبارة عن الرسالة التي حملها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المجتمع البشرى
قولًا وفعلًا، وتوجيها وسلوكًا، وقلب بها موازين الحياة، فبدل مكان السيئة الحسنة،
وأخرج بها الناس من الظلمات إلى النور، ومن عبادة العباد إلى عبادة الله ، حتى عدل
خط التاريخ وَغيَّر مجرى الحياة في العالم الإنساني.
نسب النبي-صلى الله عليه
وسلم-
الجزء الذي اتفق عليه
كافة أهل السير والأنساب، وهو الجزء الذي يبدأ منه صلى الله عليه وسلم وينتهي إلى
عدنان.
:محمد بن عبد الله بن عبد
المطلب ـ واسمه شَيْبَة ـ بن هاشم ـ واسمه عمرو ـ بن عبد مناف ـ واسمه المغيرة ـ
بن قُصَىّ ـ واسمه زيد ـ بن كِلاب بن مُرَّة بن كعب بن لؤى بن غالب بن فِهْر ـ وهو
الملقب بقريش وإليه تنتسب القبيلة ـ بن مالك بن النَّضْر ـ واسمه قيس ـ بن كِنَانة
بن خُزَيْمَة بن مُدْرِكة ـ واسمه عامـر ـ بن إلياس بن مُضَر بن نِزَار بن مَعَدّ
بن عدنان.
الأسرة النبوية
تعرف أسرته صلى الله
عليه وسلم بالأسرة الهاشمية ـ نسبة إلى جده هاشم بن عبد مناف ـ
وإذن فلنذكر شيئًا من
أحوال هاشم ومن بعده :
1 ـ هاشم
:
قد
أسلفنا أن هاشمًا هو الذي تولى السقاية والرفادة من بني عبد مناف حين تصالح بنو
عبد مناف وبنو عبد الدار على اقتسام المناصب فيما بينهما،
وكان هاشم موسرًا ذا شرف
كبير، وهو أول من أطعم الثريد للحجاج بمكة،
وكان اسمه عمرو فما سمى
هاشمًا إلا لهشمه الخبز،
وهو أول من سن الرحلتين
لقريش، رحلة الشتاء والصيف،خرج إلى الشام تاجرًا،
فلما قدم المدينة تزوج سلمى بنت عمرو أحد بني عدى بن النجار وأقام عندها، ثم خرج
إلى الشام ـ وهي عند أهلها قد حملت بعبد المطلب ـ فمات هاشم بغزة من أرض فلسطين،
وولدت امرأته سلمى عبد المطلب سنة 497 م، وسمته شيبة؛ لشيبة كانت في رأسه، وجعلت
تربيه في بيت أبيها في يثرب، ولم يشعر به أحد من أسرتـه بمكـة،
وكان لهاشم أربعة بنين
وهم: أسد وأبو صيفي ونضلة وعبد المطلب. وخمس بنات وهن: الشفاء، وخالدة، وضعيفة،
ورقية، وجنة.
الحلقة
الثانية
2 ـ عبـد المطلب
:
إن السقاية والرفادة بعد
هاشم صارت إلى أخيه المطلب بن عبد مناف
[وكان شريفًا مطاعًا ذا
فضل في قومه، كانت قريش تسميه الفياض لسخائه]
لما صار شيبة ـ عبد
المطلب ـ وصيفًا أو فوق ذلك ابن سبع سنين أو ثماني سنين سمع به المطلب. فرحل في
طلبه، فلما رآه فاضت عيناه، وضمه، وأردفه على راحلته فامتنع حتى تأذن له أمه،
فسألها المطلب أن ترسله معه، فامتنعت، فقال : إنما يمضي إلى ملك أبيه وإلى حرم
الله فأذنت له،
فقدم به مكة مردفه على
بعيره، فقال الناس: هذا عبد المطلب، فقال: ويحكم، إنما هو ابن أخي هاشم، فأقام
عنده حتى ترعرع، ثم إن المطلب هلك بـ [دمان] من أرض اليمن، فولى بعده عبد المطلب،
فأقام لقومه ما كان آباؤه يقيمون لقومهم،وشرف في قومه شرفًا لم يبلغه أحد من
آبائه، وأحبه قومه وعظم خطره فيهم.
ومن أهم ما وقع لعبد
المطلب من أمور البيت شيئان:
حفر بئر زمزم ووقعة
الفيل
وخلاصة الأول: أنه أمر
في المنام بحفر زمزم ووصف له موضعها، فقام يحفر، فوجد فيه الأشياء التي دفنها
الجراهمة حين لجأوا إلى الجلاء، أي السيوف والدروع والغزالين من الذهب، فضرب
الأسياف بابًا للكعبة، وضرب في الباب الغزالين صفائح من ذهب، وأقام سقاية زمزم
للحجاج.
ولما بدت بئر زمزم نازعت
قريش عبد المطلب، وقالوا له : أشركنا.قال: ما أنا بفاعل، هذا أمر خصصت به، فلم
يتركوه حتى خرجوا به للمحاكمة إلى كاهنة بني سعد هُذَيْم، وكانت بأشراف الشام،
فلما كانوا في الطريق، ونفد الماء سقى الله عبد المطلب مطرًا، ما ينزل عليهم قطرة،
فعرفوا تخصيص عبد المطلب بزمزم ورجعـوا، وحينئذ نذر عبد المطلب لئن آتاه الله عشرة
أبناء، وبلغوا أن يمنعوه لينحرن أحدهم عند الكعبة.
وخلاصة الثاني: أن أبرهة
بن الصباح الحبشي، النائب العام عن النجاشي على اليمن، لما رأى العرب يحجون الكعبة
بنى كنيسة كبيرة بصنعاء، وأراد أن يصرف حج العرب إليها، وسمع بذلك رجل من بني
كنانة، فدخلها ليلًا فلطخ قبلتها بالعذرة. ولما علم أبرهة بذلك ثار غيظه، وسار
بجيش عرمرم ـ عدده ستون ألف جندي ـ إلى الكعبة ليهدمها، واختار لنفسه فيلا من أكبر
الفيلة، وكان في الجيش 9 فيلة أو 13 فيلا، وواصل سيره حتى بلغ المُغَمَّس، وهناك
عبأ جيشه وهيأ فيله، وتهيأ لدخول مكة، فلما كان في وادي مُحَسِّر بين المزدلفة
ومنى برك الفيل، ولم يقم ليقدم إلى الكعبة، وكانوا كلما وجهوه إلى الجنوب أو
الشمال أو الشرق يقوم يهرول، وإذا صرفوه إلى الكعبة برك، فبينا هم كذلك إذ أرسل
الله عليهم طيرًا أبابيل، ترميهم بحجارة من سجيل، فجعلهم كعصف مأكول. وكانت الطير
أمثال الخطاطيف والبلسان، مع كل طائر ثلاثة أحجار؛ حجر في منقاره، وحجران في رجليه
أمثال الحمص، لا تصيب منهم أحدًا إلا صارت تتقطع أعضاؤه وهلك، وليس كلهم أصابت،
وخرجوا هاربين يموج بعضهم في بعض، فتساقطوا بكل طريق وهلكوا على كل منهل، وأما
أبرهة فبعث الله عليه داء تساقطت بسببه أنامله، ولم يصل إلى صنعاء إلا وهو مثل
الفرخ، وانصدع صدره عن قلبه ثم هلك.
وأما قريش فكانوا قد
تفرقوا في الشعاب، وتحرزوا في رؤوس الجبال خوفًا على أنفسهم من معرة الجيش، فلما
نزل بالجيش ما نزل رجعوا إلى بيوتهم آمنين.
وكانت هذه الوقعة في شهر
المحرم قبل مولد النبي صلى الله عليه وسلم بخمسين يومًا أو بخمسة وخمسين يومًا ـ عند الأكثرـ وهو يطابق أواخر فبرايرأوأوائل مارس سنة 571 م،
وكانت تقدمة قدمها الله
لنبيه وبيته؛ لأننا حين ننظر إلى بيت المقدس نرى أن المشركين من أعداء الله
استولوا على هذه القبلة مرتين بينما كان أهلها مسلمين، كما وقع لبُخْتُنَصَّر سنة
587 ق.م، والرومان سنة 70 م، ولكن لم يتم استيلاء نصارى الحبشة على الكعبة وهم
المسلمون إذ ذاك، وأهل الكعبة كانوا مشركين.
👈وقد وقعت هذه الوقعة في
الظروف التي يبلغ نبؤها إلى معظم المعمورة المتحضرة إذ ذاك. فالحبشة كانت لها صلة
قوية بالرومان، والفرس لا يزالون لهم بالمرصاد، يترقبون ما نزل بالرومان وحلفائهم؛
ولذلك سرعان ما جاءت الفرس إلى اليمن بعد هذه الوقعة،وهاتان الدولتان كانتا تمثلان
العالم المتحضر في ذلك الوقت.
👈فهذه الوقعة لفتت أنظار
العالم ودلته على شرف بيت الله ، وأنه هو الذي اصطفاه الله للتقديس، فإذا؛ لو قام
أحد من أهله بدعوى النبوة كان ذلك هو عين ما تقتضيه هذه الوقعة، وكان تفسيرًا
للحكمة الخفية التي كانت في نصرة الله للمشركين ضد أهل الإيمان بطريق يفوق عالم
الأسباب.
الحلقة الثالثة
كان لعبد المطلب عشرة
بنين،
وهم: الحارث،والزبير،
وأبو طالب،وعبد الله، وحمزة،وأبو لهب، والغَيْدَاق،والمُقَوِّم، وضِرَار، والعباس.
وقيل: كانوا أحد عشر،
فزادوا ولدًا اسمه: قُثَم، وقيل : كانوا ثلاثة عشر،
فزادوا: عبد الكعبة وحَجْلًا،
وقيل: إن عبد الكعبة هو
المقوم، وحجلا هو الغيداق، ولم يكن من أولاده رجل اسمه قثم.
وأما البنات فست وهن :أم
الحكيم ـ وهي البيضاء ـ وبَرَّة، وعاتكة، وصفية، وأرْوَى، وأميمة.
3ـ عبد الله والد رسول
الله صلى الله عليه وسلم:
أمـه فاطمة بنت عمرو بن
عائذ بن عمران بن مخزوم بن يَقَظَة بـن مـرة،
وكـان عبد الله أحسن
أولاد عبد المطلب وأعفهم وأحبهم إليه،
وهو الذبيح؛ وذلك أن عبد
المطلب لمـا تم أبناؤه عشرة، وعرف أنهم يمنعونه أخبرهم بنذره فأطاعوه،
فقيل: إنه أقـرع بينهم
أيهم ينـحـر؟ فطـارت القرعــة على عـبد الله ، وكــان أحـب النـاس إليه.فقال:اللهم
هو أو مائة من الإبل.
ثم
أقرع بينه وبين الإبل فطارت القرعة على المائة من الإبل،
وقيل:إنه كتب أسماءهم في
القداح،وأعطاها قيم هبل،فضرب القداح فخرج القدح على عبد الله،فأخذه عبد
المطلب،وأخذ الشفرة،ثم أقبل به إلى الكعبة ليذبحه،فمنعته قريش،ولاسيما أخواله من
بني مخزوم وأخوه أبو طالب.
فقال
عبد المطلب : فكيف أصنع بنذري؟ فأشاروا عليه أن يأتى عرافة فيستأمرها، فأتاها،
فأمرت أن يضرب القداح على عبد الله وعلى عشر من الإبل، فإن خرجت على عبد الله يزيد
عشرًا من الإبل حتى يرضى ربه، فإن خرجت على الإبل نحرها، فرجع وأقرع بين عبد الله
وبين عشر من الإبل، فوقعت القرعة على عبد الله ، فلم يزل يزيد من الإبل عشرًا
عشرًا ولا تقع القرعة إلا عليه إلى أن بلغت الإبل مائة فوقعت القرعة عليها، فنحرت
ثم تركت، لا يرد عنها إنسان ولا سبع،
وكانت الدية في قريش وفي
العرب عشرًا من الإبل، فجرت بعد هذه الوقعة مائة من الإبل، وأقرها الإسلام، وروى عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال: [أنا ابن الذبيحين] يعنى إسماعيل، وأباه عبد الله
.
واختار عبد المطلب لولده
عبد الله آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب، وهي يومئذ تعد أفضل امرأة في
قريش نسبًا وموضعًا، وأبوها سيد بني زهرة نسبًا وشرفًا، فزوجه بها، فبني بها عبد
الله في مكة،
وبعد قليل أرسله عبد
المطلب إلى المدينة يمتار لهم تمرًا، فمات بها،
وقيل : بل خرج تاجرًا
إلى الشام، فأقبل في عير قريش، فنزل بالمدينة وهو مريض فتوفي بها، ودفن في دار
النابغة الجعدى،
وله إذ ذاك خمس وعشرون
سنة،وكانت وفاته قبل أن يولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبه يقول أكثر
المؤرخين،
وقيل : بل توفي بعد
مولده بشهرين أو أكثر.
ولما بلغ نعيه إلى مكة
رثته آمنة بأروع المراثى، قالت :
عَفَا
جانبُ البطحاءِ من ابن هاشم ** وجاور لَحْدًا خارجـًا في الغَـمَاغِـــم
دَعَتْـه
المنــايا دعــوة فأجـابـــهـا ** وما تركتْ في الناس مثل ابن هاشـم
عشيـة
راحـوا يحملــون سريـره ** تَعَاوَرَهُ أصـحـابــه في التزاحــــم
فإن
تـك غـالتـه المنـايا ورَيْبَهـــا ** فقـد كـان مِعْطــاءً كـثير التراحم
وجميع ما خلفه عبد الله
خمسة أجمال، وقطعة غنم،وجارية حبشية اسمها بركة
وكنيتها أم أيمن، وهي حاضنـة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
#روائع_داعيات
السيرة_النبوية
الحلقة السابعة🍃
🌴موقف المشركين من رسول الله صلى الله عليه وسلم🌴
وأما بالنسبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه صلى الله عليه وسلم كان رجلًا شهمًا وقورًا ذا شخصية فذة، تتعاظمه نفوس الأعداء والأصدقاء بحيث لا يقابل مثله إلا بالإجلال والتشريف، ولا يجترئ على اقتراف الدنايا والرذائل ضده إلا أراذل الناس وسفهاؤهم
🌹🍃🌹🍃🌹
ومع ذلك كان في منعة أبي طالب، وأبو طالب من رجال مكة المعدودين، كان معظمًا في أصله، معظمًا بين الناس، فكان من الصعب أن يجسر أحد على إخفار ذمته واستباحة بيضته، إن هذا الوضع أقلق قريشًا وأقامهم وأقعدهم، ودعاهم إلى تفكير سليم يخرجهم من المأزق دون أن يقعوا في محذور لا يحمد عقباه، وقد هداهم ذلك إلى أن يختاروا سبيل المفاوضات مع المسؤول الأكبر: أبي طالب، ولكن مع شيء كبير من الحكمة والجدية، ومع نوع من أسلوب التحدي والتهديد الخفي حتى يذعن لما يقولون.
🌹🍃🌹🍃🌹
وفد قريش إلى أبي طالب
قال ابن إسحاق: مشى رجال من أشراف قريش إلى أبي طالب، فقالوا: يا أبا طالب، إن ابن أخيك قد سب آلهتنا، وعاب ديننا، وسَفَّه أحلامنا، وضلل آباءنا، فإما أن تكفه عنا، وإما أن تخلي بيننا وبينه، فإنك على مثل ما نحن عليه من خلافه، فنكفيكه، فقال لهم أبو طالب قولًا رقيقًا وردهم ردًا جميلًا، فانصرفوا عنه، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما هو عليه، يظهر دين الله ويدعو إليه.
🌹🍃🌹🍃🌹
ولكن لم تصبر قريش طويلًا حين رأته صلى الله عليه وسلم ماضيًا في عمله ودعوته إلى الله ، بل أكثرت ذكره وتذامرت فيه، حتى قررت مراجعة أبي طالب بأسلوب أغلظ وأقسى من السابق.
🍃🌹🍃🌹
#روائع_داعيات
فقرة #السيرة_النبوية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
إدارة مشروع روائع داعيات تشكرك على مرورك
وتتمنى لك وقتاً ممتعاً يَعُم بالفائدة